مرور ((145)) عاماً على ولادة الشاعر العالمي الحكيم طاغور داعية الحب والتسامح
بقلم: علي احمد بوخمسين
وان كنا نميل إلى التعصب للغتنا العربية وثقافتنا و لموروثنا الثقافي شعرا كان او نثر يجب ألا نقف عند هذا الموروث مهما كانت ضخامته وتنوعه
.
كثيرون هم أولائك الذين ينشغلون بجغرافيا الوطنية الضيقة بدافع الحب للغة وللوطن وللتراث، يجب أن لا ننسى أن وطنية الحب لا تعرف الجغرافيا .
هكذا كان طاغور حتى بعد تقسيم شبه القارة الهندية من قبل الاستعمار الانجليزي هذا المستعمر الذي سعى لتقطيع أوصال القارة الهندية منذ أيام شركة الهند الشرقية التي جعلت من الهند ثلاث دول هي الهند و باكستان وبنقلاديش ولكن بقي طاغور وفياً لجذوره غير عابئ بالحدود المصطنعة لذلك أستحق أكليل الريادة وبقيت ذكرى ولادته رمزاً وداعية للحب والتسامح الذي لم ينشغل بالتعصب بل كان أفقه الإنساني أوسع ورأيه الحصيف أرحب .
حتى الملحد يحصل على بركة الله فلا تفخر بدينك
إنه يوقد في خشوع مصباح العقل ويقدم تمجيده
لا إلى الكتب ولكن لكل شئ طيب في الإنسان
إطلالة تاريخية على حياة الشاعر
منابع ثقافية مختلفة
نهل رابندارانات طاغور من ثلاثة منابع ثقافية : بنغالي- هندي- إنجليزي ، وكان طبيعياً أن تترك هذه المنابع المختلفة تأثيراتها المتباينة على شخصية الرجل الذي عاش 84 سنة ، وكتب الشعر والقصة والمسرح ، ومال إلى الرسم في سن الخامسة والستين. ولم يتلق طاغور تعليماً تقليدياً، فقد نشأ في أسرة ذات طابع خاص، حرصت على تعليم ابنها على غير القواعد السائدة، ولكنه- على أية حال- كان تعليماً خلاقاً. وبالرغم من أن رابندرانات لم ير جده (دوار كانات) الذي توفي في عام 1846، قبل مولد الحفيد بست عشرة سنة، إلا أننا نجد في سيرة الجد بعض ملامح مسيرة الحفيد.
ومن شعره القصيدة ((59)))
أيتها المرأة لست طرفة الله فحسب ولكنك طرفة
أيضا الرجال فهم الذين يزينوك بالجمال النابض من
قلوبهم ويغزل لك الشعراء خمار من خيوط أخيلتهم
المذهبة ويخلد المصورون إهاب جسد ك
إن البحر يلفظ لآلئه
وتمنح المناجم ذهبها وتهب حدائق الصيف
ورودها
لتتزيني وتتحلي به وتضحي أثمن و أكثر نفاسة
وتسربل رغبات قلوب الرجال بمجدها شبابك أنت كيان
نصفه امرأة ونصفه الثاني حلم
ملامح متوارثة
كان دواركانات من كبار ملاك الأرض، وكان محباً للخير، وعاش جانباً من حياته في بريطانيا، وتوفي بها، والواضح أنه كان شديد الاقتراب من المجتمع الإنجليزي، حتى أنه كان يدعي بالأمير، وإن لم يحصل على اللقب رسمياً، ودخل القصر الملكي وقابل الملكة فكتوريا، كما خالط الفنانين والأدباء الإنجليز في ذلك العصر، وكان قريباً من تشارلز ديكنز.
وعلى العكس من الجد كانت حياة الأب (ديبندرانات). والغريب أنه عاش شبابه سادراً في الغرابة، ثم لم يلبث أن انضم إلى طائفة البراهمة، ووصل فيها إلى مرتبة (المهاريشي)- أي الكاهن العظيم- وانتهى زعيماً لتلك الطائفة.
قصيدة رقم 42 :
إيه أيها المجنون ,
أيها السكران الفاتن
إن فتحت بركلة من قدمك أبوابك و اصطنعت ،
إن فرغت محفظتك في ليلة واحدة وفرقعت أصابعك للتبصر هازئا
إن سلكت دروبا غريبة ولهوت بالأشياء العقيمة دون عقل وبصيرة
إن نصبت شراعك في مهب العاصفة لتحطم د فة سفينتك
إن فعلت ذلك كله فإنني الحق بك أيها الرفيق و اسكر
واتبع معك الشيطان
لقد أضعت أيامي و ليالي في صحبة الجيران العقلاء الشرفاء ،
إن المعرفة الواسعة قد شيبت شعري
و السهر الطويل قد جعل نظري قائما لقد سلخت مد يده في التنقيب
على شوارد الاشياء و جمعها فلإ سحق هذه الأشياء و لأرقص فوقها
و لأ قذ ف بها كلها للرياح فإن منتهى السداد هو ان اسكر
واتبع الشيطان
دع وساوس الضمير الملتوية كلها تمتحي و ذرني
اظل طريقي بائسا لتجرفني جذ بة من دوار
وحشي و لترم بي بعيدا عن مراسي
ان العالم آهلا بالشرفاء والعاملين
النافعين الاذكياء من الناس
ثمة رجال يعدون في يسر في المقدمة
ورجال جديرون بان يلوهم فليكونوا سعداء نافعين
و لاكن انا مجنونا نا قل النفع انا اعلم
ان نهاية كل سعي هي ان اسكر و اتبع الشيطان
انني اقسم بان اتخلى منذ الان
عن أي مطلب في منصب شريف لا ئق
انني اهجر اعتدادي بالمعرفة و بتمييزي للخطأ
والصواب سوف احطم وعاء ذكرياتي
مبددا اخر قطرة من الدموع
سوف اغوص في زبد الخمرة الحمراء
واشعشع في ضحكتي اما مظاهر التهذيب
والوقار فلسوف امزقها شر ممزق
سوف اقسم يمينا غموسا بأن اصبح تافها
سكران وبأن اتبع الشيطان .
*
ولابد أن ذلك المنحى الروحاني للأب قد أثر بعمق في نفس الابن رابندارانات،في لمحة عن حياته كماعرفنا ممن كتبوا عنه، ففي الحادية عشرة من عمره رافق الابن أباه في رحلة إلى جبال الهمالايا حيث كانت لهما وقفة طويلة في منطقة بغرب البنغال تسمى (شانتينيكتان)- وهي الناحية التي أنشأ فيها الابن فيما بعد عام 1918 مؤسسته التعليمية المعروفة باسم(فيسفابهاراتي) أو (الجامعة الهند ية للتعليم العالمي)- وفي تلك الرحلة التأملية بالهمالايا غرس الأب في نفس ابنه المفاهيم البنغالية التقليدية وحرك في نفسه القيم الروحية ونمى فيه نزعة استقلال الذات والاعتماد على النفس، فقد كان يتركه وحيداً في جولات طويلة يجوب فيها مسالك تلك الجبال الخطرة.
لقد كان البيت هو مدرسة طاغور، وكان مدرسوه هم أشقاؤه إضافة إلى مدرس وحيد من خارج الأسرة هو (دفيجندرانات) وكان عالماً وكاتباً مسرحياً وشاعراً، وكان يتردد عليه أيضا معلم (الجودو) !
وقد درس طاغور لغة قومه (السنسكريتيه) وآدابها ثم الإنجليزية التي تعرف من خلالها على آداب أوربا، وكان في شبابه الأول شديد الانشغال بأمور وطنه الأصلي- البنغال- مهتما بكل ما يتصل بنهضته، كما كان في نفس الوقت مستريباً من الإنجليز.
شخصية مستقلة
وقد تميز طاغور بين أشقائه وابناء عمومته باستقلالية الرأي والشجاعة في اتخاذ المواقف الحاسمة في الأوقات الحرجة، وقد ظهر ذلك- فيما بعد- في كثير من كتاباته، وفي حياته العامة. ومن أمثلة ذلك موقفه الواضح والمحدد من بعض مظاهر الوثنية في الطقوس الخاصة بطائفة البراهمة التي كان يرتدي وشاحها المقدس وينشد تراتيلها.
نماذج من شعره
أولئك الذين يعانقون الوهم باسم الدين
فيقـتـُلون ويـُقـتـَلون
حتى الملحد يحصل على بركة الله فلا تفخر بدينك
إنه يوقد في خشوع مصباح العقل ويقدم تمجيده
لا إلى الكتب ولكن لكل شئ طيب في الإنسان
إن الطائفي يلعن دينه
حين يقتل إنساناً من غير دينه
وهو لا يقوم السلوك على ضوء العقل
ويرفع في المعبد العلم الملطخ بالدماء
ويعبد الشيطان في صورة الإله
كل هذا الذي تم عبر الأحقاب والعصور
مخجل ووحشي قد وجد ملاذه في معابدكم
التي تحولت إلى سجون
لقد سمعت أصوات أبواق التدمير تبلغ الزمن بمكنستها الجارفة لتكنس كل المهملات
كل ما يحرر الإنسان يحولونه إلى قيود
وكل ما يوحده يحولونه إلى سيوف
وكل ما يحمل الحب من النبع الخالد يحولونه إلى سجون
يحاولون اجتياز النهر في سفينة مثقوبة
يا إلهي دمر الدين الزائف
وانقذ الأعمى
ولتهشم
ولتهشم المعبد الملطخ بالدماء
ودع هزيم الرعد ينفذ إلى سجن الدين الزائف
واحمل إلى هذه الأرض التعسة نور المعرفة
في الدمام بقلم ابومصطفى علي احمد